كانت تلك الجلسة الشهيرة التي سجلها التاريخ وذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ! تلك الجلسة التي روجت لها أجهزة الأعلام الفرعونية بمهنية عالية .. كانت تبدو في نظر العامة تعبيرا عن ديموقراطية فريدة يحكمون بها من قبل فرعون !! حيث أتفقوا بأن يكون اللقاء المفتوح والمناظرة العملية بين نبي الله موسى وبين سحرة فرعون .. أن يكون في يوم عيد !! الناس في عطلة .. وسيشهد اللقاء خلق كثير !!
فأستنفرت كل قوى الأمن بقيادة هامان .. وقامت بأتخاذ كافة الأحتياطات الأمنية خوفا من متطرفين اسرائيلين ! ! أذ أن قائدهم موسى سبق وأن قتل مصريا من قبل .. وهم في اليوم التالي بقتل مصري آخر ! الا أن رحمة الله تداركته فعفى عنه .
منذ الصباح .. قامت وسائل الأعلام بتغطية الحدث بطريقة البث المباشر , ووجهت الرسائل عبر الأذاعات والفضائيات الى كل المدائن " قال الملأ من قوم فرعون ان هذا لساحر عليم " يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون " قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين " يأتوك بكل ساحر عليم " .. فقد كانت القيادة الفرعونية واثقة من الأنتصار في تلك المناظره الكبرى على مستوى الوطن كله .. فقد كان البروتوكول يقضي بحضور فرعون وهامان وجنودهما .. وهذا الحضور لا بد وأن يعطي دعما معنويا للسحرة وللجنود .. فعلى مدى سنين طويلة كان قوم فرعون لا يملكون الا الطاعة ".. ومن شدة طاعتهم له وعدم نيتهم بالخروج عليه , أعتقد فرعون بأنه فعلا " ربهم الأعلى " فوقف فيهم خطيبا : " ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون "؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين " أراد فرعون من هذا الخطاب أن يقلل من شأن موسى .. فمن هو موسى حتى يتحداني وأنا أملك مصر بأنهارها وجنائنها وخيراتها ؟ كان فرعون يضحك من قومه ويلعب على جهلهم وسذاجتهم " فأستخف قومه فأطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين " وتدفق الناس الى الساحة الرئيسية من كل أتجاه . . وتوالت الوفود من كل المدن والقرى .. وكان الأمر يبدو مقبولا في ظاهره وكأنه أحتفال .. فاليوم عيد وسيأتي فرعون والسحرة والجنود ليجلسوا بين الناس العاديين ويشاركوهم تلك الأحتفالية الكبرى !!
وفي الجهة المقابلة كان موسى النبي ومعه المؤمنون من بني اسرائيل في مواجهتهم !
كان فرعون يعتقد أن السحرة الذين كانوا في خدمته لن يقهروا أبدا , وأنهم من القوة وصنع الأعاجيب قادرين على أن يبهروا أعين الناس بسحرهم , وأن موسى ومعه القلة من أتباعه لن يستطيعوا الصمود ! أو حتى أن يقدموا شيئا ! أذ أن الأجهزة المكلفة بجمع المعلومات عن موسى وأتباعه , قد أبلغت فرعون بأن موسى وأي من أتباعه ليست لهم سابقة في الأتيان بالسحر وأنه لم يعرف عن موسى من قبل أنه ساحر !! وكانوا صادقين .. لم يتلاعبوا بالتقارير ولم ينقلوا أخبارا كاذبة .. موسى لم يكن ساحرا ولا كاذبا .. قالوا الحقيقة وكانوا على مستوى المسؤولية !! أطمأن فرعون بأن نتائج تلك المناظرة مضمونه لصالحه " وجاء السحرة فرعون قالوا ان لنا لأجرا ان كنا نحن الغالبين " قال نعم وأنكم لمن المقربين " .. فربت على أكتاف السحرة مشجعا اياهم ووعدهم بأن يجعلهم في أعلى الوظائف في الدولة وأنه سيقربهم اليه ويجزل لهم العطايا .
بهذه الثقة بدأ السحرة مخاطبين موسى : هل تريد أن تلقي أم نلقي نحن أولا ؟ فقال موسى : بل ألقوا أنتم !! ونظر السحرة الى فرعون فأشار لهم أن أفعلوا كما قال .. فوقف كبير السحرة يخاطب فرعون : في هذا اليوم التاريخي الذي أنتظرناه طويلا .. نحن قادرون بعزتك أن نقهر هذه الشرذمة القليلة وأننا لنحن الغالبون .. فصفق الحاضرون طويلا .. فأبتسم فرعون ومرافقيه من قول كبير السحرة .. وكانت أبتسامته الأخيرة !!
وألقى السحرة عصيهم .. فأذا هي أفاعي تسعى .. فأبتهج القوم وصفقوا !! فرحوا كما لم يفرحوا من قبل !!
عصي جامدة تصبح حيات تتحرك .. ما هذه الأسلحة التي يملكها السحرة .. أنها قوة كبرى لن يستطيع موسى صدها أو الأتيان بمثلها !!
وبينما كان القوم في غمرة نشوتهم ودهشتهم لما فعل السحرة .. كان " الوحي " يبث في روع موسى التثبيت !
" ألقي عصاك ولا تخف " فألقاها فأذا هي تلقف حياتهم المزيفة واحدة تلو الأخرى وتبتلعها .. فصعق السحرة وأصيب فرعون ومن معه بالصدمة ! في تلك اللحظة العصيبة أدرك السحرة حقيقة الأمر .. وعرفوا بأن فرعون
ليس ربا كما يدعي وأنما هو مفتري وكاذب وأنه ما كان ليدعي بأنه الرب الأعلى لولا قوة الجنود وفساد هامان
وقد أشارالقرأن العظيم الى تلك الواقعة وبين بأن فرعون وهامان وجنودهما في النار !!
عرف السحرة بأن موسى لا بد وأن يكون مدعوما بقوة الرب الواحد وأنهم ليسوا الا مخادعون , وأن ما قاموا به من تحريك العصي أنما هو تلاعب بأخيلة الناس !! أما أن تقوم عصاة موسى وهي على شاكلة عصيهم أن تبتلع
العصي الخشبية وكأن بها حياة حقيقية , فهذا الفعل لم يعهدوه من قبل .. فسجدوا لرب موسى !! فغضب فرعون والجنود وهدد السحرة بالقتل والصلب " قال ءآمنتم له قبل أن ءأذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى " لم يكترث السحرة للتهديد .. فقد غلبت عليهم حلاوة الأيمان وعلا صوت الحق في ضمائرهم " قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض أنما تقضي هذه الحياة الدنيا " انا ءأمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى " !! وعج المكان بالصياح والفوضى وصار الأمر لا يحتمل .. فأشار هامان
الى أجهزة الأعلام بأن يوقفوا التصوير .. وأنقطع البث المباشر بسبب عطل فني !!!!!!!!!!